header_01.gif (13K)
 

العرب ينظرون بعين واحدة
فيلم" بغداد اون - اوف " نموذجا ً

باريس- عبد الرحمن الماجدي

الاثنين 22 يوليو 2002 06:33

 الضجة التي اثارها فيلم " بغداد اون اوف " بعد رفض عرضه او مشاركته في الدورة السادسة لمهرجان السينما العربية في باريس مؤخرا ( 29 حزيران حتى 7 تموز 2002) سلطت ضوءا خافتا عربيا على المأساة العراقية في الشمال وعلى المخرج العراقي سعد سلمان المقيم في باريس المولود في بغداد عام 1950 والحاصل على دبلوم في الاخراج من معهد الفنون الجميلة في بغداد عام 1969.

كتبت معظم الصحف العربية عن قرار المنع، الذي لم يتضح بشكل نهائي رسميا حتى الان، وعن المأساة العراقية بشقها الخارج من سيطرة النظام والغائبة عن العين العربية المنشغلة بمتابعة الالم الفلسطيني ومايبثه اعلام النظام العراقي عن الحصار باطار سياسي محض.

اسباب رفض الفيلم

لم يرفض الفيلم لاسباب تقنية كما اوضح عدد من اعضاء لجنة اختيار الافلام المشاركة في المهرجان انما جاء الرفض" لاسباب سياسية" كما اخبرنا المخرج من خلال حديثه الشخصي مع عدد من اعضاء اللجنة تلك. وهو ما نرجحه كسبب للمنع، خاصة ان الفيلم مستوف لكل الشروط التقنية والادارية المطلوبة للاشتراك، فموضوع الفيلم يدور كله عن الكارثة التي سببها النظام العراقي لمختلف القوميات التي تشكل الفسيفساء العراقية؛ في وقت تنظر العيون العربية للنظام العراقي كضحية وكمساند عربي وحيد للانتفاضة الفلسطينية في الان ذاته، لتغمض عن كل ما يخالف هذه القناعة. كثيرون سيضطرون للتساؤل ودحض ماتعودته ذائقتهم  من صور معدلة رقابيا وهو امر متعب سيبعد السكينة عن صاحبه.
خاصة ان الدورة الاخيرة للمهرجان افردت لقطة مكبرة عن السينما الفلسطينية والانتفاضة. اذ سيكون متناقضا ومنفرا ومثار تساؤلات كثيرة ان يعرض فيلما عن أمل العراقيين " برب العالمين وامريكا" ( لم يتساءل احد عن السبب الكبير الذي يجعل العراقيين يحسدون الافغان بعد تخلصهم من طالبان) ويرجون امريكا لانقاذهم من نظام صدام المدافع والمساند لاستمرار الانتفاضة الفلسطينية حسب الرأي العربي السائد عامة والفلسطيني خاصة. كما ان هناك فيلما( هو الوحيد عراقيا بين الافلام العربية المشاركة) للمخرج عامر علوان يتحدث عن "أطفال الحصار" وهو عنوان الفيلم ، صوّر في بغداد والاراضي الخاضعة لسيطرة النظام. فيبدو ان ادارة المهرجان او لجنة الاختيار وجدت ان الفيلم المرفوض(Baghdad on-off) سيناقض الفيلم الاخر عن مايجري في العراق، فيما كان حريا بهم ان يحرصوا على مشاركة الفيلمين العراقيين المتناقضين بطرحهما حيث صورا داخل وخارج  سلطة الحكومة العراقية كلقطة موسعة وشاملة عن مايدور في العراق.

50 ساعة

فيلم "Baghdad on-off" وهو اول فيلم عربي عن الوضع في كردستان العراق، أقرب للتسجيلي منه للروائي حيث يصرّ المخرج على تسميته. فالشهادات التي سجلتها كاميرا سعد سلمان مهمة جدا بصدقها وخلوها من التلفيقي لاجل تحريض المشاهد لقضية معينة ؛ شهادت الناس او الاماكن الاثري منها والمشيد كيفما اتفق يشتركان بمأساوية الاهمال والتنكيل؛ فالقلاع الاثرية صارت بيوتا للاجئين الذين يحمل كل منهم قصة ً الموت اولها واخرها.
لم يدر في خلد سعد سلمان ان ينجز فيلما وهو يشد رحاله الى شمال العراق بعد ان استبد به الشوق ليسلك درب التنهدات العراقية عبر الخابور بما يكتنفها من عقبات تزيد من مأساوية وصعوبة الرحلة " لم يكن لدي اي مشروع سينمائي مسبق او زيارة بغداد. فبعد 30 عاما من تركي البلاد لااعلم شيئا عما جرى من تغييرات للناس والمكان".
ويضيف المخرج  في حديثه لنا بعد ان حضرنا عرضا خاصا للفيلم في باريس" اصطحبت كاميرا خفيفة وكاميرا قلقة توضع في الجيب مثل دفتر الملاحظات. هناك لم يكن لدي رغبة لعمل فيلم. لكن كنت اسجل شهادات الناس. فاستغرقت بكل حواسي داخل العراق وانا اتنقل من مكان الى آخر؛ فعاودتني كل الهواجس العراقية كالخوف والكوابيس فصرت احكم اغلاق بابي جيدا قبل النوم".
بعد 50 ساعة تصوير هي حصيلة رحلته قبل سنة ونصف لشمال العراق يرى المخرج سعد سلمان" ان السكوت على جريمة مايجري في العراق جريمة اكبر منها. والمثقف يمتلك اكثر من وسيلة ليعبر عن رفضه ويفضح مايجري. ويواصل " شاهدت مايجري في الشمال اما في الجنوب فلا استطيع ان اصف حجم تلك المأساة التي تفوق مارأيته اضعافا

Baghdad off-off  

 يبدأ الفيلم بعد عبور الخابور من الحدود السورية العراقية منتقلا لتصوير حادث مروري نرى خلاله اكثر من جثة مسجاة على قارعة الطريق او في حوض احدى السيارت المتوقفة امام جمع قليل من الناس الذين اعتادوا مشاهد الموت اليومي.
الكاميرا تبيت ليلة في مضارب عشيرة شمّر العربية الفارّة من جور السلطة والحصار باحثة بين سفوح جبال ووديان الكرد عن الماء والكلأ. اينما تلتفت الكاميرا ثمة لاجئون يعرضون شكواهم للعدسة وللمشاهد العربي الممتنع عن سماع الحقيقة عمّا يدور لاهل العراق كتلك الام التي تحمل صور ابنائها الثلاثة المعدومين وزوجها المفقود كقلادة تريها للرائح والغادي، او الشاب الثلاثيني المصلومة اذنه بقرار رئاسي وهو يتحدث عن زملائه في العقاب الذين ماتوا بسبب انتفاخ مكان الصلم متسائلا عن كيفية استخدام النظارات الطبية لعينيه العليلتين من دون اذن في الرأس ترتكز عليها.
المخرج المخرج يرفض تسمية فيلمه بالتسجيلي وهو امر يقودنا للحديث عن الفرق بين الروائي والتسجيلي كما يراه " أنا ارفض هذه التسميات روائي او تسجيلي. انا اعمل افلاما اوجهها للجمهور. حين اعمل فيلما عن الواقع العراقي هل عليّ ان انفذه على طريقة هوليود او السينما الايرانية او غيرها؟ أنا قدمت نموذجا للواقع السينمائي العراقي نموذجا مرعوبا، مسروقا، متنقلا، حائرا ومدعيا ..الخ. وهذه اللعبة تدور منذ اكثر من 30 عاما وسط سكوتنا. هذا هو العراق : خريطة ممزقة وطرق مقطوعة".
تتنقل الكاميرا طوال الدقائق الـ86 في ارجاء كردستان العراق مقتربة من الحدود الفاصلة بين الادارة المحلية الكردية والحواجز العسكرية لنظام بغداد حيث التفتيش الدقيق والتنكيل المهين بالعابرين جيئة وذهابا من الاكراد متوقفة بين مدينة واخرى لتصف الواقع المبكي دائما والذي يصل حد عرض البؤس المضحك في بعض الاحيان.
هذا الفيلم جاء بعد 9 افلام كلها باللغة الفرنسية ممتدة من عام 1982 حتى1998 وهو يشكل تواصلا مع افلامه السابقة لجهة لغته السينمائية الخاصة" أول افلامي التي عملتها في باريس"بسبب الظروف" احسست فيه ببذور لم تكن ناضجة. لاحظت ان الكثير من البذور التي زرعتها في فيلمي الاول وفيلم"احك لي شيبام" 1992 اينعت الان. ولدي مشروع 3 أفلام كلها عن العراق".

المونتاج

الفيلم عرض المأساة بكل صدق وكثير من العفوية؛ انما التسجيل الصوتي الممنتج في باريس فيما بعد افقد الفيلم بعض العفوية بصوت المهرّب الذي لايظهر وجهه لأنه موجود اصلا في باريس وليس خلف الكاميرا؛ فبدا الافتعال واضحا بل ومبتعدا، في بعض المشاهد، عن موضوعة اللقطة التي يتحدث خلالها المهرب اوالدليل المفترض.
ليت المخرج اكتفى بالمشاهد والتعليقات التلقائية من الناس امام الكاميرا او حديثه هو وتعليقاته خلفها دون ان يزج بسيناريو امه المحتضرة في بغداد وجاء مخاطرا لزيارتها، مع العلم ان الفكرة (زيارة بغداد) موجودة اصلا في لاشعوره وربما لاشعور سواه وهو يتنقل بين مدن كردستان العراق القريبة من الاهل في بغداد بـ3 او 4 ساعات.
نهاية الفليلم لها خصوصيتها العراقية التي تشير الى المأساة وتعنيها فالمخرج والزائر المتمني لقاء اهله في بغداد لايصل اليها فالليل يرمي ظلالة عليها، وهي كلما اقربت منها تبتعد وسط موسيقى عراقية كاملة الحزن كما هو المشهد المشهد العراقي الان.

المخرج

# ولد المخرج سعد داود سلمان في 9 شباط عام 1950 في بغداد.
# حصل عام 1969 على دبلوم الاخراج من معهد الفنون الجميلة في بغداد واصبح مخرجا في التلفزيون العراقي في نفس السنة، وغادر العراق لاسباب سياسية في العام نفسه ايضا.
# عاد عام 1972 للعراق بعد ان استبد به الحنين ليقضي عاما في سجن قصر النهاية.
# عمل في الصحافة والسينما بعد ان غادر العراق مرة ثانية لبيروت التي اضطرته حربها الاهلية ليغادرها الى باريس عام 1976.
# مؤلف عدد من القصص، نشرت في مجلات ثقافية عربية في: دمشق، بيروت، بغداد ولندن.
# انجز الافلام التالية: "بسبب الظروف" عام 1982، "كان يامكان، بيروت" 1984، " رامبو، ساعة الهروب" 1990، " من على شرفة رامبو" 1991، " احك لي شيبام" 1992، " الطريق" 1993، " تنويعات على الحجاب" 1994، " فيزا الى الفردوس" 1996، " المحاكمة:K عمر ردّاد 1998/ 1999،"Baghdad on- off" 2002.
# يعيش ويعمل في باريس منذ 26 عاما.

 

>>