header_01.gif (13K)
 

مياه آسنة

عبد الرحمن الماجدي

جمع غفير من الناس تخلو وجوههم من ومضة الحكمة، يسيرون صارخين بالويل والثبور لامريكا وبريطانيا...يرفعون صور الديكتاتور محاطة باكاليل النصر!

ثم يتصاعد المشهد تدريجيا حتى يصل ذروته بحرق اعلام بريطانبا وامريكا وسط صراخ وتكبير وفوضى دائما تؤدي الى التصادم مع رجال الشرطة وواجهات المباني ثم الهروب من ساحة الشوارع مع اعتقال بعضهم وهم يلوحون بشارات النصر..

هذا المشهد يتكرر دائما  حد الملل في كل مظاهرات العالم العربي والاسلامي.

هلاّ تساءل هؤلاء لمَ لمْ يرفع المتظاهرون في العالم المتحضر صورة واحدة للديكاتور؟ او هتافا باسمه؟

بل دائما مانشاهد ونسمع لافتات وهتافا بـ - لا للحرب لاللديكتاتورية. وهو مالم ولن يعيه متظاهرو العلم العربي والاسلامي لانهم نتاج ديكتاوريات سياسية ودينية تتماهى مع كل ديكتاتورية اخرى. لذا نرى تمجيد ديكتاتور العراق بكونه حامي حمى العروبة والاسلام وعلى الجميع الالتفاف حوله فزواله يعني زوال العروبة والاسلام! فيالبؤس العروبة والاسلام بهذا الحامي المختبيء كالجرذ.

ليت هؤلاء الهتافين ابدلوا اسم الديكتاتور بشعب العراق وصرخوا بالفداء لهذا الشعب وانه يستحق حياة افضل من هذا الهوان. انما هؤلاء هم اصداء لاعلام عربي يأخذ الخبر من فم الصحاف الاعوج لتنفخ به بقية جوقة الاعلام العربية التي لاهم لها الان سوى ترديد اكاذيب وشتائم الصحاف وانتهاك حرمة الجرحى والموتى بتصويرهم حسب طلب الصحاف حتى غدت تلك المشاهد هي الطاغية على مايدور من عمليات حربية وهو مايريده اعلام الصحاف كوسيلة للتغطية عما يجري في ساحة المعركة بين قوة جبارة وحرس حدود( يسمونهم حرس جمهوري) لديكتاتور متجبر دفع ويدفع بالناس لاجل الموت دونه.

اظن ان مايسّير هؤلاء الهتافين هو خوف لاشعوري من ان تنكشف عوراتهم التي يغطونها الان باسم صدام حسين حامي الحمى الذي ظلمته المقادير بارساله لشعب جبان، كما يصفون الشعب العراقي في الداخل الان؛ ( قائد شجاع لشعب جبان). اما عراقيو الخارج فهم عملاء وخونة!

اذكر ان احد هؤلاء طلب مني عام 1992- بعد ان عرف اني من بغداد- ان اقول لصدام حسين ليذبح الاكراد والشيعة! لماذا ؟ لان الاكراد ليسوا عربا والشيعة كفار! ثم اوصاني: ارجعو ا لبلدكم وحافظوا على زلماتكم لأن مافي منو بكل العالم! وهذا عينه مايدور الان في احاديث هؤلاء السرية.

فهذه الجموع( من الناعقين مع كل ناعق) ذاتها التي هللت لغزو صدام حسين للكويت عام 1990 وخرجت تصرخ بعد طرده منها. وهي نفسها التي تشتم الكويت الان التي ذاقت بعض جحيم صدام.

هلا تساءل هؤلاء لماذا لم يتظاهر احد من الاكراد او الايرانيين بالاضافة للكويتين ضد هذه الحرب ؟ ولماذا لم يقاتل احد من عراقيي الجنوب والوسط بعد دخول الامريكان والبريطانيين بل رحبوا بهم ومايزالون؟ سيجيبون بشتى الاجابات التي تجانب الحقيقة دون ان يشيروا ولو اشارة الى ماذاقه العراقيون والايرانيون والكويتيون من هذا النظام الذي يتباكى عليه الاعلام العربي ويريدون زج الشارع العربي معه، هذا الشارع الذي يحوي مَن يمتلك وعي الضرورة ويفهم مايكتبه بعض الشعراء والكتاب والمفكرين الذين يعون حقيقة هذا النظام الذي يتهاوى الان تحت صفعات اسياده. وقد اقيمت الدنيا ولم تقعد عليهم لانتقادهم حامي الحمى بطل التحرير القومي ساتر عورات المجاهدين. فلم يسلم الشاعر عباس بيضون من صراخهم حين كتب بأن يُترك الديكتاتور ليموت لوحده. وكان محقاً فهو لايستحق قطر دم عراقية تراق لتؤخر موته.

 لا اجد  من تسمية تنطبق على هذا الطوفان الذي خرج يتباكى الان على الديكتاتور سوى ماتحويه البالوعة العربية من مياه آسنة اختلطت بقيء الشاشات العربية.

 

>>