kikah.com
Middle Eastern
Literature & arts
 

فيلم بدون سيناريو

فيكتور كوساكوفسكي جلس طوال سنة كاملة خلف النافذة ليصور " تيخا"

 

ترجمة وإعداد : عبد الرحمن الماجدي

يان بيتر ايكر*

قبل أن يصور فيلم " تيخا" لم يعلم فيكتور كوساكوفسكي ماكان يريد قوله " اذا كنت سأقول كل ماأعرفه فلمَ العمل اذن؟ عندما أعمل لااريد معرفة ماأنوي فعله. ربما أدير الكاميرا يساراً، ربما أديرها يميناً ".

منذ أن فتح نافذة شقته السكنية، في الطابق الاول في قلب سانت بيترسبورغ، واصل عمله قدما ً، فصور كوساكوفسكي بكاميرته الرقمية كل ما كان يثير اهتمامه." كل مشهد كان رائعا ً، لكن الناس لايحبذون مشاهدة افلام مدتها 10 ساعات. لذلك تخليت عن ثمان ساعات ونصف".

في" تيخا" يسلط الروسي عدسته على بقع الزيت الطافية على المياه الاسنة وهي تعكس الوان الطيف، ثمة رجل يدير محرك سيارته لاحمائها، مدخل بناية في الجهة الاخرى من الشارع، شاب ينتظر حبيبته بباقة ازهار وحمامة تحط بهدوء في عشها.

طقوس العمل تعود للشارع. فيأتي رجال كثيرون للعمل في حفرة صغيرة؛ في البداية كان هناك سور يطوقها، بعد ذلك جلبوا آلة حفر ضخمة ثم مثقاب كبير ومطارق ومنشار كبير لكن دون جدوى؛ فقد توسعت الحفرة. وفي يمين الكادر يتكرر مشهد طريق بنهاية مغلقة.

" كل شخص يمكنه ان يفكر بما يشاء" يرى كوساكوفسكي" أنا لاأريد أن أقول شيئا ً أو اقدم دروساً، أريدكم أن تشاهدوا فقط. إذا أردت أن تحكي قصة عليك تدوينها في كتاب.

فيلم " تيخا" بالنسبة للمشاهد هو فيلم حول الحياة الصعبة في روسيا. بالنسبة لي هو فيلم حول تاريخ الفن التشكيلي. حيث استخدام أساليب وعدسات مختلفة ربما جعلت الفيلم واقعيا ً في بعض الأحيان وسورياليا ً أو تجريديا ً أحيانا ً أخرى مثل لوحة ماليفيج.

الفكرة جاءت من قصة" داس فيترس إيكفينستر" لـ إي.تي.آي هوفمان حول رجل مشلول كانت النافذة هي كل مايربطه بالعالم الخارجي. ومن صورة التقطها عالم الفيزياء الفرنسي جوزيف نيسيفور نيبس عام 1826 من مختبره في سانت- لوب- دي-فارين التي كانت تعتبر حتى العام الماضي كأقدم صورة فوتوغرافية في العالم، وتظهر في كل افلام كوساكوفسكي سابقة ظهور اسمه على الشاشة.

لم يقف كوساكوفسكي خلف نافذة شقته منتظرا ً حدوث شيء ما ليصوره؛ إنما ترك كاميرته تصور لوحدها، فإن سمع شيئا ً ما يهرع للنافذة لينظر.

لم يكن لديه سيناريو " لاتستطيع تغيير الحياة ولايمكنك، أيضا، إعادتها. لذلك فالسيناريو للفيلم الوثائقي لاأهمية له، لاأحد يعلم ماسيحدث،طبعا ليس في الحياة الخاصة، لندع الامر لابطال الفيلم. ربما سأعشق غدا ً ويتغير عالمي الخاص، فكيف أوظف ذلك في فيلمي؟".

بالرغم من ذلك ثمة كثير من الشك حول اعتبار أفلامه وثائقية مائة بالمائة." أعرف ذلك. لقد تعلمت من الحياة أشياء كثيرة ً، لكن لااقحمها في مشاهد أفلامي. اذ كل شيء حقيقي. كل شيء يأتي مصادفة؛ بما في ذلك مشهد سيارة الشرطة حين تتوقف أمام النافذة، يضيف كاسوكوفسكي. في البدء ينزل شرطي يحمل بندقية آلية، ثم يفتح الباب الخلفي فيخرج رجلان. بعد ذلك بقليل يسقط احدهما أرضا من قبل أحد المارة، الذي ينهال عليه ضربا أمام أنظار رجال الشرطة.

كنت أستمع للحن موسقي جديد لصديقي ألكسندر بوبوف حين تهادى لسمعي ذلك الضجيج. فحملت كاميرتي بيدٍ وبالاخرى منعت ابني الذي كان يريد مشاهدة مايجري. كان المشهد ينطوي على خطورة؛ فالرجال كانوا مسلحين".

كوساكوفسكي ترك مشهد النهاية لسيدة عجوز تتوكأ على عكاز تنادي على ضوضاء المكائن بصوت لايكاد يُسمع: " تيخا ". تجر جسدها لزاوية الشارع ثم تعود لمدخل البناية. بعد دقائق يأتي كلبها بأثرها." ظننتها في أول الأمر، بأنها مجنونة، فأردت إيقاف التصوير لأذهب لمساعدتها. لو لم يظهر كلبها لما استخدمت هذا المشهد في الفيلم".

"عنوان الفيلم يحمل أكثر من  معنى في اللغة الروسية، يوضح كوساكوفسكي، أنه يعني " هسسسس. سكوت" و " كن متواضعا".

لايستطيع مخرج الفيلم تغيير العالم بأفلامه " حين تكون صادقا ً، أو شخصا نبيلا ً، فليس من الأهمية بمكان أن ينظر اليك الناس أو إن هناك كاميرا تصور.

عمال الطريق الذين صورتهم  كانوا يصبون الاسفلت على الثلج لكي يغدو الشارع سالكا ً. و لك أن تتصور الذي سيفعلونه لو لم تكن هناك كاميرا. كانوا سيعملون بشكل أسوأ.أنه أمر لايُصدق! فتلك مشكلة كبرى. الشيء الوحيد الذي يمكنناعمله هو أن نضحك، أو نغدو مجانين".

كوساكوفسكي لم يرغبان يتم اختيار فيلمه ليعرض في الذكرى المئوية الثالثة لمدينة سانت بيترسبورغ. كان خائفا من استخدامه كدعاية سياسية. بعد تلك الاحتفالات كان" تيخا" يعرض في أكبر سينما في المدينة. " كان موجودا ً في كل الصحف والتلفزيون. لم أوجه الدعوة لأحد  مميز خوفا ً من أن لايجدوا في الفيلم شيئا ً مهما ً".

ذلك الخوف تلاشى. فبعد العرض الأول في مهرجان أمستردام للأفلام الوثائقية تلقى دعوات للمشاركة في 116 مهرجان.  كذلك في سانت بيترسبورغ لقي الكثير من التجاوب "لستُ مشهورا ً مثل ستيفن سبيلبيرخ، لكن وجهي معروف للكثيرين، حيث يعلمون أن ثمة كاميرا توجد خلف النافذة. إنهم يقفون دائما ً أسفل نافذتي ناظرين للأعلى، ربما أملا ً في تتبعهم. ذلك ممكن. فالعمل في الشارع لما يزل مستمرا ً".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* عن الملحق الفني و الثقافي لجريدة " الشعب" الهولندية.

 

  >>