الاحد 20 نيسان 2003

 


 

بابل أم برج بابل؟

الامتحان الأخير للمعارضة العراقية - عصام الخفاجي

كمستقبل ألمانيا بعد هتلر- عبد الخالق حسين

أهله أدرى بشعابه - فاروق يوسف

سقط الديكتاتور صعد اليانكي: تهانينا - سلام عبود

"المفكرة العراقية" لأمين الباشا المشهد المضاد - جمانة حداد

مثقفون عرب جعلوه إلهاً - هاشم شفيق

سقوط البلاط على شعرائه - شوقي بزيع

بين الكابوس والحلم - عبد الرحمن الماجدي

بصفتي كلباً - ريمون جبارة

سيرة العرّاب التكريتي وعشيرته المقدسة - محمد الحجيري

كان علينا نحن أن نطيحه - محمد علي الاتاسي

رسالـة الى عبد الرحمن منيف المنام البغدادي - الياس خوري

الدليل

الملحق الثقافي

سلامتك

الاغتراب اللبناني


الصفحة الرئيسية

مساعدة

 

 

بـيــن الـكــابــوس والـحـــلـم

عـبـد الـرحـمـن الـمـاجـدي

هولندا...

كان الصوت الحنون الذي هاتفني وهو يسأل عن اخبار الاهل في بغداد، وان كابوسا قد ولى وآخر سيولي، مبعث راحة لي في خضم عربي من التشبث بوهم القائد الضرورة، حامي حمى العروبة التي كنا ننام ونصحو مجبرين على صيرورتها وضرورة استلهامها والعمل على ترسيخها في الاذهان وبذل الارواح لفدائها من كيد المعتدي والالتفاف، عبرها، حول قائدها ورمزها الاوحد... الخ من تلك النصائح التغييبية التي تخرجت ولما تزل من مدارسها، اجيال من الذين ولدوا وتربوا على ثقافة الحزب الواحد والخطاب الواحد والرأي الواحد الذين سيحتاجون لسنوات من اجل اعادة تأهيلهم في حياة خالية من نقاط التفتيش المتعددة في كل مدينة وحيّ حيث يتحكم الشرطي برقاب العباد وارزاقهم في وصفه ظلا للحاكمين في بلاد لا وجود فيها لرئيس او وزير سابق الا في عداد الميتين.

بلاد وُلد وتربى فيها اكثر من جيل، وسط حدود محكمة الاغلاق بأوامر سلطانية، والخروج منها ليس سوى الهروب الى دروب اللاعودة، او بمكرمة رئاسية لغايات في نفس الحاكم وعشيرته الاقربين ولبلدان مسموح بدخولها واخرى ممنوعة بأوامر رئاسية ايضا.

يذكر الوزير اللبناني السابق محسن دلول أنه كان ضمن وفد لبناني زار العراق في سبعينات القرن الماضي لبحث السماح للمصطافين العراقيين زيارة لبنان بعدما منعتهم الحكومة العراقية آنئذ بأمر من السيد النائب صدام حسين الذي قال للوفد انه لا يستطيع تلبية رغبتهم لما يشكله لبنان من خطر على النظام العراقي; حيث يجلس السائح العراقي في بحمدون فيقرأ في الصحف اللبنانية المتعددة كلاما ضد الحكومة من دون رادع، ويسمع في المقاهي انتقاد الحكومة من دون خوف فيعود هذا العراقي الى بغداد ويريد تقليد ذلك السلوك اللبناني وهذا ما لا نسمح به!

 

أتذكر الآن

اتذكر الان ان خوفي من الشرطي قد زال عني قبل سنتين فقط بعد اكثر من 10 سنين ابتعدت في معظمها عن ولوج بوابات القمع العربية والخضوع لاسئلة حكومات الضباط التي هدأت حناجر موهوميها الان بعدما خذلهم ساتر العورات ابو المعارك ليكيلوا لشعب منهك تهم التخاذل والجبن، وليتحايلوا على لاوعيهم وسط هذيانهم الجمعي وهم يتشبثون بنعمة ذلك الوهم بأن الامر ليس سوى قائد شجاع لشعب جبان، من دون ان يزيلوا الغبار عن عقولهم التي ظلت وقفا لديكتاتوريات سياسية ودينية تتحكم بمجتمعات ذكورية تسمّي المسالم من الرجال بالـ"المرأة" في وصفها كائنا دونيا حسب تصورهم، وتـُسقط بشتى التهم من لا يتلاءم وولاءاتها. شاشاتها تغطي الان على زوال اكبر ديكتاتور، أمات الضرع والزرع، ولم يصغ لاحد سوى لنفسه، بأخبار جانبية تنفخها لتبثها لرعية طغى طوفان العاطفة فيها على بصيص العقل.  

هل اسمّي ما ولّى كابوسا ً وقد انوجد هذا الـ"الكابوس" قبل ولادتي فكدت اعتقد مع آخرين، قبل تشكل الوعي الوجودي لدينا، بأن ما نحياه هو ذاته ما يُعاش في كل مكان!

 

عن الاستاذة والزميلة والشعراء المنفيين

سأكون سعيدا لو كان كابوساً، اذ ستعود استاذتي في الجامعة البروفسورة حياة شرارة الى الحياة التي غادرتها منتحرة مع ابنتيها بعدما سد الديكتاتور عليها اي باب للسفر خارج الكابوس رافضا الطلب الذي تقدمت به اليه باعتباره رسميا ولا يحمل اي رجاء وتوسل، فأغلقت باب بيتها عليها مع ابنتيها مكتفيات بالاستمتاع بمنظر غروب الشمس في بغداد فيدخلن غرفة في المنزل ولم يخرجن منها حتى بعد زوال الـ ( كابوس).

لو كان كابوسا ستعتذر اذاً حبيبة الشاعر ابرهيم الجاف وزميلتنا في الدراسة بأن الامر لم يكن سوى مزحة ثقيلة بعدما وشت به حين اهداها قصيدة تحوي غمزا ضد الرأي الواحد السائد الذي سيغيبه 20 عاما في السجن.

لو كان كابوسا سيموت اذاً المنفيون من الشعراء وسواهم بين اهلهم واصدقائهم او تنقل جثامينهم  الى بلدهم، ولن تضطر بلدية صيدا لدفن الشاعر العراقي سعدون حاتم الدراجي ( آدم حاتم) في شتاء 1993 بعدما عاش مشردا بين باريس وتونس ودمشق وبيروت.

ترى هل سيكون العراقي شوفينيا حين يرى ان ما يربط المسلم العربي بالمسيحي والصابئي والكردي والاشوري العراقي اكثر ما يربطه بإخوة له في الدين نفسه والقومية خارج العراق من وشائج شتى اولها المحبة المشتركة وآخرها المأساة المشتركة بعدما ساهم اخوة لهم خارج حدود بلدهم في مد سوط الجلاد وسيفه لكل العراقيين شامتين بمأساتهم راقصين في مأتمهم ارضاء له، مدعين انهم يفعلون ذلك لاجل الشعب وقائده الذي سيبكون فقده ويشتمون العراقيين-كأنهم هم مَن اتوا بالاميركان الى بلدهم - على فرحتهم الخجلى بزواله؟ فما تفسير ما قامت به دول في الجوار العربي من تقديم المساعدة للعراقيين الذين عادوا الى أهلهم قبيل الحرب واثناءها مصفقين لهم ومودعين كأحبة وهم يعلمون ما سيتعرضون له في طريق طويل ربما يكمن لهم فيه الموت في اكثر من مكان، ورفع هؤلاء الاخوة اجرة السفر الى العراق الان اضعافاً تعجيزية بعيد الحرب لمن يريد من العراقيين السفر للبحث عن اهله، حد عدم تمكن الكثيرين من استحصال اجرة السفر بعدما كانت ابان الحرب رمزية وربما مجانية. ويصرون على محبتهم لهذا الشعب وانهم مستعدون (كانوا) لفدائه بالغالي والنفيس (لو مات من اجل جلاده)؟

 

... وعن المستقبل

سأبتعد عن ذاك الـ"الكابوس" لاحلم بمستقبل يخلو من نقاط التفتيش وهي تفتش القلوب قبل الجيوب، ومن زوار فوق العادة يدعوننا لزيارتهم رغما عنا.  سأحلم بمستقبل يثور فيه الناس كل اربع او خمس سنوات على الحكومة متسلحين بقصاصات الاوراق التي تأتيهم برئيس لهم يخدمهم ويحرس راحتهم وراحة ابنائهم ويوفر لهم اسباب الرفاه. وسأحلم بوطن شوارعه تحمل اسماء مفكريه وعلمائه وادبائه لا أسماء الرئيس والقاب الرئيس وابناء الرئيس واخوانه واخواته واعمامه واخواله وامهاته وعماته وخالاته ومحظياته واوهامه.

إن كان ما مضى كابوسا فهل المقبل من الايام حلم فحسب؟.

>>