header_01.gif (13K)

 

الاعذاريون

الثلاثاء 16 ديسمبر 2003 14:53

عبد الرحمن الماجدي
 
 
 

 
 

لم يمر سوى يوم واحد على اذاعة خبر اعتقال الدكتاتور صدام حسين بعد استسلامه بطريقة ذليلة حتى تمدد المخيال العربي على راحته ليعيد صياغة الحدث حسب هواه. تماما كما اعاد صياغة ماجرى يوم الثلاثاء 11 سبتمبر 2001 ويوم 9 ابريل 2003 مستندا على ذاكرة المؤامرة التي تريحه من عبء الحقيقة.
لان العروبة ظاهرة صوتية فلا أَحبَّ للعروبي من زعيم صارخ يقول ولايفعل لانه يتماهى مع الذات العروبية في اغلب الاحيان باللافعل.
 ولاشيء سوى كلام؛ ففلسطين سيحررونها من النهر الى البحر (كيف؟) والعرب يتعرضون لمؤامرة كبرى لانهم مهد الحضارات ( والان؟) عبد الناصر قتلوه من خلال حقنة الانسولين لانه كان سيحرر العرب ( من اضاع القدس؟) سقوط بغداد تم بعد خيانة العراقيين لصدام (متى احبوه او عاهدوه ليخونوه؟)
والاعتذاريون جاهزون بالاعذار التي تبدو كانها معدة سلفا فبعد 24 ساعة من الصدمة التي كشفت عورة العروبي الموهوم بالنصر دائما والموعود بالمنقذ القادم اليه على حصان عربي ابيض يأخذ بيده لبر الامان، سارع الاعتذاريون لصياغة الحدث حسب مخيالهم الخصب دائما ليرمموا اسطورتهم التي تفتتت امامهم؛ التكذيب الاول كان ان هذا ليس بصدام بل شبيهه وقد مهدت بعض المحطات الفضائية العربية لذلك. لكن بعد التعرف عليه جاء دور العذر الاخر فالخيانة كانت افضل الاوراق واسهلها ولو مؤقتا لكن مع عدم الاعتراف بانه إذا كانت هناك خيانة ووشاية فهي من صلب عائلة الديكتاتور. ثم اتفقوا بهذيانهم الجمعي على قصة تصلح للمستقبل والحاضر ايضا بأن القوات الامريكية قد رشت المنطقة بغاز خاص لايقتل وانما يخدر بحيث يبدو الضحية معافى ويستجيب لاوامر الاخرين دون ممانعة!!
اعترف بذكاء من توصل لهذه القصة وحبكها بالشكل الذي يعيد للعروبي توازنه بعد ان صدمته مشاهد استسلام فارسه المنقذ بشعر مقمل ولحية شعثاء وجسم تكاد تشم نتانته عبر الاثير.
 وقد تواترت وسائل الاعلام العربية في الترويج لقصة تخدير صدام خشية ان ينتفض البطل ويقتل مهاجميه جميعا دون ان يسألوا انفسهم عن وجود الحفرة المعدة سلفا للاختباء ومنظر البؤس لمن البسوه البياض ويتنقل كل يوم في مواقع المقاومين ليحرر العراق والامة العربية من كيد الحاقدين! ولو كان من غاز بهذه الفعالية لاكتفت به الجيوش خاصة قوات الحلفاء التي هزمت صداما وجيشه بدون استخدام هذا الغاز السحري الذي يجنبهم أي خسارة في الارواح او المعدات.
احد قرقوزات مواقع الانترنيت العراقية اضاف قصة اعتذارية تضفي على الحدث بعدا دراميا جديرا بالتنويه فقد اخبره اهله بأن دجاجتهم قد ماتت يوم اعتقال صدام مستدلا بذلك على حقيقة تخدير صدام قبل اعتقاله بالرغم من انه يصر على ان الاعتقال تم قبل وقت طويل وتم الاعلان عنه يوم 14 / 12 2003 فقط يوم موت دجاجتهم!
كاتب اخر قال عبر احدى الفضائيات بان موسولوليني قد بنى لايطاليا حضارتها ومتاحفها والان عندما يذكر موسوليني تذكر المتاحف والانجازات التي بناها!
(لاادري ان كان اسم موسوليني يحيل لشيء غير الفاشية؟) ليتوصل بعد ذلك كاتبنا الاعتذاري هذا الى ضرورة احترام صدام لانه بنى العراق وشيد صروحه الحضارية! (صروح المقابر الجماعية والحروب المتوالية)
احد المفكرين العرب (مااكثرهم هذه الايام؟) يقول ان الحرب على العراق الغاية منها ابعاد العراق عن تحرير فلسطين التي كانت في قلب قائده دائما بدليل خطاباته التي يريد تحريرها فيها من النهر الى البحر والاموال التي كان يرسلها لنا! ( هل تحرير فلسطين يمر من ايران ام من الكويت ام ان اهالي حلبجة كانوا يمنعونه من التحرير؟ ومن ورط منظمة التحرير الفلسطينية في احداث ايلول الاسود في الاردن بشهادة قائد القوات العراقية فيها وقتئذ اللواء حسن النقيب الذي اعترف لكاتب السطور في حديث خاص قبل سنوات في مصيف صلاح الدين بكردستان العراق بورود برقية له من بغداد تقول "اقتل يارسر عرفات"!
ولاندري كم ستدوم هذه القصة الاعتذارية ليتم استبدالها باخرى محبوكة بشكل اكثر اثارة واحب للعقل العروبي المكلوم. ناهيك عن القصص التي ستؤسطر صداما في معتقله الذي ربما سيجعلونه مشعا بالنور المنبعث من هالة الايمان التي ترافقه. واحاديثه للملائكة التي تحميه من مؤامرات الاعداء والخونة بل ربما سيجعلونه ثالث ثلاثة في الغار الذي سيأتونه بحمامة وعنكبوت ايضا! وقد يجعلونه يستمر بمحاربة الامريكان ليلا ويعود لسجنه نهارا كولي من الاولياء!
ترى هل سيتحرر الفكر العروبي من وهمه ويستيقظ من غفوته على وسائد " ابو الحضارات" و"معلم العالم الكتابة" و " ان غدا لناظره لقريب" الخ من اوهام الهذيان الجمعي العروبي.
الجواب يتضح من ردة الفعل الفورية التي تأسست على اعادة صياغة الحدث اذ خرج المصدومون بالهزيمة يتظاهرون " ياصدام يامغوار احنا حنكمل المشوار"!.
ياللمغوار الذي لايساوي الان سوى 29 دولارا و 95 سنتا فقط هي ثمن لعبة اسمها صدام حسين بلحية كثة وشعر مقمل تباع اليوم في امريكا.
 

 

 

>>